في اسمائه والقابه وكناه: New Page 2 Nano Nano Made on Update- by MaxPack موقع بضعة الرسول ع

موقع مبعث النور

 لقد اشتقت اسماء أمير المؤمنين علي عليه السلام من معانٍ تدل كلها على علوه وسموه ورفعته؛ فكان أول اسمٍ سمته به والدته فاطمة بنت اسد عليها السلام هو (حيدرة)، وهو اسمٌ من اسماء الاسد، «فقد ولد قوي البنية، صلب العضل، شديد الاسر».

وبهذا الاسم الذي يدل على البسالة والشجاعة ارتجز أمير المؤمنين عليه السلام في وقعة خيبر تلك الوقعة العظيمة، حيث تخندق اليهود اعداء الدين في حصنهم المشهور بحصن خيبر، وكان حصناً منيعاً عالياً، وكان لا بد لتحقيق النصر على اليهود ومعاقبتهم على تآمرهم مع مشركي قريش من فتح هذا الحصن، وقد وردت تفاصيل احداث تلك المعركة في كتب المسلمين، منها: مسند أحمد وصحيحي مسلم والبخاري، حيث نقل لنا عبد الله بن بريدة (وهو ابن الصحابي بريدة الاسلمي) قال: «سمعت أبي يقول: حاصرنا خيبر، وأخذ اللواء ابو بكر فانصرف ولم يُفتح له (اي لم يستطع أن يفتح حصن خيبر)، ثم أخذه عمر من الغد، فرجع ولم يُفتح له، وأصاب الناس يومئذٍ شدة وجهد، فقال رسول الله(ص): إني دافع الراية غداً إلى رجلٍ يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله له».

قال مسلم في صحيحه: «وخرج مرحب (ومرحب هذا أحد أبطال اليهود الشجعان، ما نازل أحداً الا قتله) فقال:

شاكي السلاح بطل مجرّب

قد علمت خيبرٌ أني مرحبٌ

اذا الحروب أقبلت تلهّب

فقال عليٌّ:

كليث غابات كريه المنظرة

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

أوفيهم بالصاع كيل السندرة

قال: فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه».

ومن اسمائه الكريمة عليه السلام اسمه الذي خُصَّ به وهو اسم (علي)، ولم يُسَمَ أحدٌ بهذا الاسم قبله؛ اذ لم تكن العرب تعرف هذا الاسم حتى تسمى به أمير المؤمنين عليه السلام وهو الاسم الذي سماه به والده مؤمن قريش أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وفي ذلك يقول ابو طالب عليه السلام:

عز العلوّ وفخر العز أدومه

سميته بعلي كي يدوم له

ولم يكن أبو طالب ليسميه حتى رجع في ذلك إلى الله عز وجل كما ينقل لنا التاريخ ذلك؛ اذ بعد أن ولد أمير المؤمنين عليه السلام، أصبح والده ابو طالب فدخل الكعبة وناجى ربه بكلمات رقاق، تنم عن مدى انقياد هذا الرجل لربه في كل الامور، وهذه منتهى العبودية فقال في هذه المناجاة الرائعة:

والقمر المنبلج المضييّ

يا رب هذا الغسق الدجيّ

ماذا ترى في اسم ذا الصبي

بين لنا من أمرك الخفيّ

إن رب البيت الذي ولد فيه لم يكن ليترك هذا الامر سدى، فكما أنه اشتق لنبيه محمد صلى الله عليه وآله اسماً من اسماءه؛ فهو المحمود ونبيه محمد، كذلك اشتق اسماً لوليه الاعظم اسماً من اسمائه، فهو العالي ووليه علي؛ اذ أن ابا طالب سمع هذا الاسم بنداءٍ هتف به قائلاً:

خصصتم بالولد الزكي

يا أهل بيت المصطفى النبي

عليٌّ اشتق من العلي

إن اسمه من شامخٍ عليِّ

اما كناه:

فنلاحظ أن أكثرها قد كناه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بياناً لمقامه وحباً له، فمن كناه المحببة اليه عليه السلام «أبو تراب»، هذه الكنية التي اطلقها عليه الرسول الاكرم في أحد الغزوات، فقد نقل أحمد بن حنبل في مسنده عن الصحابي الجليل عمار بن ياسر أنه قال: «كنت أنا وعليّ رفيقين في غزوة ذات العشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقام بها، رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي عليّ: يا أبا اليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا الى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب، فنمنا، فوالله ما أهبنا الا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذٍ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ: يا ابا تراب، لما يُرى عليه من التراب، قال: الا احدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليّ على هذه (يعني قرنه)، حتى تبل منه هذه (يعني لحيته).

إن من الامور التي تقرح القلب وتجعل المرء يبكي بدل الدموع دماً، هي سب وشتم مثل امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، على منابر من يدعون الاسلام وهو منهم بريء؛ فقد تجاسر بنو أمية الذين ما دخلوا الاسلام الا خوفاً وطمعاً على سب وشتم علي عليه السلام على منابر المسلمين أكثر من أربعين سنة! فيا للمسلمين ويا للاسلام!! أوَ مثل علي يُسب، هذا الذي لم يقم الاسلام الا بسيفه؛ حماه صغيراً، وذبَّ عنه كبيراً، واستشهد في سبيله شيخاً، وما جناية علي حتى يفعل به هكذا؟!

لقد سبته وشتمته بنوا أمية بأحب كناه اليه واوقعها في قلبه، وقد نقل لنا الترمذي في سننه ما نصه:

«عن عامر بن سعد بن ابي وقاص قال: أمر معاوية بنُ ابي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسُبَّ أبا تراب؟! قال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن اسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحبُّ اليّ من حمر النعم.

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعليّ وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله، تخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول له يوم خيبر: لأعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادع لي علياً، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينه، فدفع الراية اليه، ففتح الله عليه.

وأنزلت هذه الآية (قل تعالوا ندعوا ابناءنا وابناءكم) الآية، دعا رسول الله صلى الله عليه وآلم وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي».

حتى إن هذا السب صار سنة وفريضة عند وعاظ السلاطين وعلماء السوء ممن أحب الدنيا ومال لها، ولم يرفع ذلك السب الا بعد أن تولى الحكم عمر بن عبد العزيز، فأمر عماله ووزراءه بالكف والانتهاء عن هذه السُنّة الخبيثة.

ومن كناه الأُخرى عليه السلام كنيته بـ(ابي الحسن)، وكان الحسن عليه السلام يدعو أباه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بـ(ابي الحسين) وكان الحسين يدعوه بـ(ابي الحسن) فلما توفي جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفجعا بمصيبة فراقه دعوا أباهما بـ(يا ابة).

فايةُ تربية نبوية هذه، أن يدعو الاخ أباه باسم اخيه الآخر، وهذا من خصائص هذا البيت النبوي الطاهر. وكناه عليه السلام كثيره كلها تدل على قربه من ذات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، ولا عجب فقد خلقا من نورٍ واحدٍ ومن شجرة واحدة، وقد نقل لنا جابر بن عبد الله الانصاري هذا المعنى بقوله:

«سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الناس من شجر شتى وأنا وأنت يا علي من شجرة واحدة».

فمن هذه الكنى. ابو الريحانتين، أسد الله، وصي رسول الله، سيد العرب، فتى قريش.

هذا، وإن اليراع ليحار فيك يا مولاي يا أمير المؤمنين، وما عسانا أن نكتب عنك وأنت أعلى واسمى من أن تحصى مناقبك، ويكفينا من الوصف ما وصفك به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الخندق اذ: (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً)، عندما احاط المشركون من قريش ومن آزرهم من جميع العرب، وتحالف معهم يهود المدينة على قلع الاسلام من جذره وابادة المسلمين، فوصفهم القرآن الكريم بقوله (اذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا) فحينها برز أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لرأس الشرك وكبيرهم وكبش كتيبتهم، وقد راهنوا بالنصر اعتماداً عليه وهو عمرو بن عبد ود العامري، الذي كان يعد بالف فارس، حينها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «برز الايمان كله الى الشرك كله».

وما هي الا لحظات حتى ارداه أمير المؤمنين عليه السلام قتيلاً، فانقلبت موازين المعركة لصالح المسلمين و (كفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويّاً عزيزاً).

مبعث النور

الصفحة الرئيسية